خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 1 من ربيع الآخر 1446 هـ - الموافق 4 / 10 / 2024م
أَثَرُ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102]، وَاعْتَصِمُوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا: أَنْ هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَعَلَّمَنَا التَّوْحِيدَ وَالْقُرْآنَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رُسُلًا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى؛ لِيَدُلَّنَا عَلَى مَا يَكُونُ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجِنَانِ، وَيُحَذِّرَنَا مِنْ كُلِّ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِاقْتِحَامِ النِّيرَانِ؛ فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ» [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »... وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ« [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، فَاللَّهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ وَضَّحَ لَنَا طَرِيقَ الْهُدَى وَطَرِيقَ الضَّلَالِ، وَحَذَّرَنَا مِنْ مَعْصِيَةِ أَوَامِرِهِ، وَنَهَانَا عَنِ اقْتِحَامِ مَحَارِمِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [ [البلد:10].
وَإِنَّ مِمَّا نَهَانَا اللَّهُ عَنْهُ وَحَذَّرَنَا مِنْهُ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَسْبَابِ حُلُولِ غَضَبِهِ، وَالْحِرْمَانِ مِنْ جَنَّتِهِ: الْوُقُوعَ فِي الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي؛ فَإِنَّ ضَرَرَهَا مُتَحَقِّقٌ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، وَضَرَرَهَا عَلَى الْإِنْسَانِ كَضَرَرِ السُّمُومِ فِي الْأَبْدَانِ، وَمَا مِنْ شَرٍّ وَدَاءٍ إِلَّا وَسَبَبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي، فَبِهَا خَرَجَ آدَمُ وَحَوَّاءُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَبِسَبَبِهَا طُرِدَ إِبْلِيسُ وَلُعِنَ، وَهِيَ السَّبَبُ فِي إِغْرَاقِ قَوْمِ نُوحٍ، وَتَسْلِيطِ الرِّيحِ الْعَقِيمِ عَلَى قَوْمِ عَادٍ، وَبِسَبَبِهَا أُهْلِكَتْ ثَمُودُ بِالصَّيْحَةِ، وَعُذِّبَ قَوْمُ لُوطٍ وَقَوْمُ شُعَيْبٍ، وَبِهَا أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَخَسَفَ بِقَارُونَ، وَسَلَّطَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْوَاعَ الْعُقُوبَاتِ، وَأَهْلَكَ الْقُرُونَ الْأُولَى بِأَنْوَاعِ الْمُهْلِكَاتِ؛ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَا أَهْوَنَ الْخَلْقَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَرَكُوا أَمْرَهُ)، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَجِلُّوا مَقَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّوْبَةِ عَمَّا لَا يَحِلُّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُؤْمَنُ إِذَا عُصِيَ).
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ لِلْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ مِنَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ وَالْقَبَائِحِ الْمَذْمُومَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ وَالْعُقُولِ وَالْأَبْدَانِ، وَيَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِ الْمَالِ وَالْبِلَادِ وَالْعِبَادِ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عُقُوبَاتٍ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ، وَضَنْكًا فِي الْمَعِيشَةِ، وَسُخْطًا فِي الرِّزْقِ، وَوَهْنًا فِي الْعِبَادَةِ).
فَمِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي: الْوَحْشَةُ الَّتِي يَجِدُهَا الْعَاصِي فِي قَلْبِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالضِّيقُ الَّذِي يَمْلَؤُهُ، وَالظُّلْمَةُ الَّتِي تَعْلُوهُ، وَالْوَحْشَةُ الَّتِي تَحْصُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (إِنِّي لَأَعْصِي اللَّهَ، فَأَرَى ذَلِكَ فِي خُلُقِ دَابَّتِي وَامْرَأَتِي).
وَمِنْهَا: الْقَسْوَةُ الَّتِي يَجِدُهَا الْعَاصِي فِي قَلْبِهِ، وَالْإِدْبَارُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ تَعَالَى عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا عَصَوْهُ: ]فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [ [المائدة:13].
وَتَزْدَادُ الْقَسْوَةُ فِي الْقَلْبِ بِسَبَبِ الذُّنُوبِ حَتَّى يَقَعَ صَاحِبُهَا فِي وَحَلِ الضَّلَالَاتِ وَسُمُومِ الِانْحِرَافَاتِ، فَلَا يَعْرِفُ بَعْدَهَا مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا؛ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: »تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا –أَيْ: كَالْإِنَاءِ الْمَنْكُوسِ- لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ« [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ ظُلْمَةً فِي قَلْبِهِ، وَوَهْنًا فِي بَدَنِهِ). وَمِنْ تِلْكُمُ الْآثَارِ الْمَذْمُومَةِ: حِرْمَانُ الرِّزْقِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَبْدِ، بَلْ هِيَ سَبَبٌ لِحِرْمَانِ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [ [الشورى:30]، وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ « [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ]، فَمَا اسْتُجْلِبَ رِزْقُ اللَّهِ بِمِثْلِ تَرْكِ الْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى رَبِّ الْخَلْقِ وَالْبَرِيَّاتِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُقَصِّرُ الْعُمْرَ، وَتُضَيِّعُ الْأَوْقَاتَ، وَتَمْحَقُ الْبَرَكَاتِ؛ فَالْعَبْدُ إِذَا أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ وَاشْتَغَلَ بِمَا يُغْضِبُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، ضَاعَتْ عَلَيْهِ حَيَاتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي كَانَ الْمُفْتَرَضُ أَنْ يَشْغَلَهَا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يَقُولُ الْمُفَرِّطُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ]يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [ [الفجر:24].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنْ شُؤْمِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي: أَنَّ بَعْضَهَا يَجُرُّ بَعْضًا، وَالذَّنْبُ يُوَلِّدُ ذَنْبًا آخَرَ وَيَزْرَعُهُ، حَتَّى يَصْعُبَ عَلَى الْإِنْسَانِ مُفَارَقَةُ الذُّنُوبِ وَتَرْكُهَا؛ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (إِنَّ مِنْ عُقُوبَةِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ بَعْدَهَا، وَإِنَّ مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا)، وَقَدْ يَصِلُ الْحَالُ بِالْمَرْءِ أَنْ تَتَقَوَّى عِنْدَهُ إِرَادَةُ الْمَعْصِيَةِ فَتَصْعُبَ عَلَيْهِ إِرَادَةُ التَّوْبَةِ حِينَئِذٍ، وَيَكُونَ مِنَ الْمُصِرِّينَ عَلَى الذُّنُوبِ الْمُدَاوِمِينَ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.
فَاحْذَرُوا الْمَعَاصِيَ وَعَالِجُوهَا، وَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، وَاعْزِمُوا عَلَى الْإِنَابَةِ وَالرُّجُوعِ، وَلَا تَأْمَنُوا مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب: 70- 71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَالذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ: أَنْ يَحْذَرَ مِنْ مُوَاقَعَتِهَا، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي تَدْعُوهُ إِلَى الْوُقُوعِ فِيهَا، وَأَنْ يَسْعَى فِي تَكْفِيرِهَا بِأَنْوَاعِ الْمُكَفِّرَاتِ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَمَحَا ذَنْبَهُ.
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ وَيَمْحُو أَثَرَ السَّيِّئَاتِ: تَوْحِيدَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمَهُ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ]، فَتَوْحِيدُ اللهِ فِي عِبَادَتِهِ هُوَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، فَمَنْ فَقَدَهُ فَقَدَ الْمَغْفِرَةَ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَدْ أَتَى بِأَعْظَمِ أَسْبَابِهَا؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَمُلَ تَوْحِيدُ الْعَبْدِ وَإِخْلَاصُهُ لِلَّهِ فِيهِ، وَقَامَ بِشُرُوطِهِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ، أَوْجَبَ مَغْفِرَةَ مَا سَلَفَ مِنَ الذُّنُوبِ كُلِّهَا، وَمَنَعَهُ مِنْ دُخُولِ النَّارِ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَمِنْ أَسْبَابِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ: كَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ؛ فَمَنْ لَهَجَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَلَازَمَهُ؛ أَوْشَكَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُ، لَا سِيَّمَا إِذَا خَرَجَ عَنْ قَلْبٍ مُنْكَسِرٍ، أَوْ صَادَفَ سَاعَةَ إِجَابَةٍ، وَهَكَذَا كَانَ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ]، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا» [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
مَنْ أَهَمَّتْهُ ذُنُوبُهُ وَتَكَالَبَتْ عَلَيْهِ هُمُومُهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَلْيَرْفَعْ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ لِلْعَزِيزِ الْغَفَّارِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ حَرِيٌّ بِإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ وَمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَالْخَطِيئَاتِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة